الفصل 9: ظهور أولاد لوين
وسط شرود لين وغرقه في حبل أفكاره، وبينما صياح الجماهير يهز أرجاء الساحة كعاصفة لا تهدأ، شعر لين للحظة وكأنه منفصل عن كل ما يجري حوله. كل هذه الضوضاء، كل هذا الصخب، ومع ذلك، كان عقله في مكان آخر تمامًا يفكر، يخطط، يبحث عن مخرج.
لكن قبل أن يغوص أعمق في أفكاره، جاءه صوت هادئ وحازم قطع عليه شروده:
“فلتستعد.”
كان ذلك إيان، يقف إلى جانبه، ملامحه كعادتها بلا تعبير واضح، لكن صوته كان كافيًا لإعادته إلى الواقع.
لم يكد لين يرد حتى دخلت المشرفة وأعلنت أسماء المشاركين:
“سيرك، ستبدأ أولًا، ثم إيان، بعده لونا، وأخيرًا لين. أريد منكم أن تستعيدوا كرامتكم وكرامة الفرسان.
معركة سيرك الأولى
تقدم سيرك إلى الحلبة وعيناه مليئتان بالغضب، لم يكن فقط يريد الفوز ، بل كان يريد أن يثبت نفسه أمام لونا ، و يقنعها أنه أفضل من لين.
أدرك لين ما يبتغيه سيرك و همس في سره “ما هذا القرف”.
وعلى الطرف الآخر، دخلت نوفا، ساحرة الجليد بينما كانت الجماهير تهتف باسمها.
بدأت المعركة، فانطلق سيرك مباشرة، محاولًا الهجوم. لكن نوفا رفعت يدها، وفجأة، تشكّل حاجز جليدي ضخم أمامها، منع سيفه من الوصول إليها. وقبل أن يتمكن من التراجع، أطلقت سهامًا جليدية نحوه.
تفادى سيرك الهجوم بسرعة وانقض عليها بضربة خاطفة، مخترقًا الدرع الجليدي، تاركًا جرحًا على خدها. لكن بدلاً من التراجع، نظرت إليه نوفا ببرود وقالت:
“تبا لك ايها الحشرة.”
في لحظة، لوّحت بيدها، فاندفع مدفع جليدي هائل أصاب سيرك بقوة، دافعًا إياه للخلف. حاول سيرك الوقوف، لكن الأرض تحته بدأت تتجمد، وفي أقل من ثانية، انطلقت خوازيق جليدية من تحت قدميه، اخترقت جسده بلا رحمة.
سقط سيرك على الأرض، والدماء تسيل منه وسط صمت صادم ، ثم بدأ الجمهور يهتف بحماس، وكأن المشهد كان مجرد استعراض ممتع بالنسبة لهم.
“الفائزة… نوفا!”
دوّى صوت الحكم في الأرجاء، لكن لين لم يسمعه. كل شيء حوله تلاشى أمام المشهد المروّع أمامه.
كان جسد سيرك ممزقًا فوق الجليد، خوازيق الجليد اخترقته بوحشية، واحدة في كتفه، أخرى في بطنه، وثالثة اخترقت فخذه، مثبتة جسده على الأرض كأنه دمية مهشمة. الدماء كانت تتدفق بغزارة، تصبغ الجليد الأبيض بلون قرمزي قاتم، وكأن الساحة قد تحولت إلى مذبح لطقوس دموية.
كان سيرك ما يزال يتنفس… لكن بصعوبة. عيناه، التي كانت تتقد بالغضب قبل لحظات، أصبحت نصف مغلقة، تحدق في الفراغ. لم يكن هناك ألم في وجهه بعد الآن، فقط الاستسلام البطيء للظلام.
وبينما كان سيرك يلفظ آخر أنفاسه كانت شفتاه تردد بصعوبة لونا… لونا
والأسوأ؟ كانت الجماهير تصرخ، تهتف، تستمتع بهذا المنظر وكأنه أعظم عرض يمكنهم مشاهدته.
شعر لين بانقباض في صدره، يده التي تمسك بالسيف ارتجفت قليلًا. لقد رأى الموت من قبل، لكنه لم يكن كما شهده اليوم .
و فجأة صرخت المشرفة : إيان … استعد .
انتبه لين ووجه تحذيرا لإيان “لا تخسر”.
رد إيان مبتسما بينما يتحرك إلي الحلبة ” لا تقلق يا اخي في القانون فأنا لن أخذلك”.
رفع لين حاجبه الأيمن و خفض حاجبه الايسر.
و التفت ليجد وجه لونا احمر؟
بدأ لين يتحدث إلي نفسه “تبا لكما ما خطبكما لقد أوشكتما أن تتسببا في قتلي منذ لحظة و لا تدركان الموقف الذي نحن فيه و الآن تمزحان في موقف كهذا”.
وفي تلك الأثناء بدا أن هالة فروسيتا ارتفعت جدا كأنها عاصفة جليدية .
تفادي لين النظر لها.
معركة إيان الأولى: سحق الساحرة الجليدية
دخل إيان الحلبة بابتسامة هادئة، وكأن القتال ليس أكثر من نزهة بالنسبة له. في المقابل، كانت نوفا تقف بثقة، سحر الجليد يحيط بها، وعيناها تلمعان ببرود قاتل.
“لن أكون خصمًا سهلًا،” قالت نوفا بصوت متجمد، ثم لوّحت بيدها، لتنطلق عشرات الرماح الجليدية نحوه بسرعة مذهلة!
لكن إيان لم يتحرك، بل ظل يمشي بخطوات هادئة، متفاديًا كل الضربات وكأنها ليست سوى نسمات هواء عابرة.
“أهذا كل ما لديكِ؟” قال إيان بصوت ساخر، ثم ضحك وأضاف: “يا إلهي، توقعت شيئًا أكثر إثارة من ساحرة جليدية عجوز!”
اشتعل الغضب في عيني نوفا، لوّحت بيديها بقوة، فجأة، تجمدت الأرض بالكامل تحت قدمي إيان، وارتفعت جدران جليدية تحاصره من كل جانب.
لكن قبل أن تُكمل تعويذتها، اختفى إيان من مكانه!
“ماذا؟!” صاحت نوفا بذهول، قبل أن تشعر بوجوده خلفها مباشرة.
“أُحب رؤية وجهكِ الغاضب.” همس إيان بصوت ساخر، قبل أن يضرب نوفا ببض سيفه على رأسها ضربة مباشرة.
عيناها اتسعتا للحظة… ثم أُغمي عليها وسقطت بلا حراك!
صمتت الجماهير لثانية، قبل أن تنفجر الساحة بصيحات الدهشة والذهول!
إيان رفع سيفه عاليًا، مستعدًا لإنهاء نوفا بضربة أخيرة، لكن فجأة…
“توقف!”
قفزت لونا إلى الحلبة، وأمسكت معصم إيان قبل أن يوجه ضربته القاتلة. تبادلا النظرات للحظة، قبل أن يتراجع إيان بخطوات بطيئة، مبتسمًا بثقة.
“الفائز… إيان!”
معركة إيان ضد كايل: انتقام وحب الأخت
الجماهير في حالة ترقب، والنظرات كلها متجهة إلى الساحة حيث ينتظر الجميع معركة مليئة بالغضب والانتقام. كايل، الذي يُعتبر ساحر جليد وماء، يواجه إيان في معركة ليست كأي معركة، بل معركة انتقام لأخته نوفا التي هُزمت واحتُقرت أمامه.
“أنت ابن الخائن، سأجعلك تدفع ثمن أفعالك!” صرخ كايل بغضب وهو يطلق أول تعويذة له. ارتفعت الجليد والماء حوله كعاصفة ضخمة، محاولًا تحجيم حركة إيان. كانت الأرض تحت أقدام إيان تتجمد، وحواجز جليدية ضخمة بدأت في الظهور حوله، بينما كانت المياه تتجمع في دوامة حول جسده.
إيان، الذي اعتاد على القتال بهذه الطريقة، اكتشف بسرعة أن الهجوم كان مجرد بداية. ابتسم بسخرية وقال: “أنت تعتقد أن الجليد والماء سيوقفني؟ سأريك كيف تكون المعركة الحقيقية.”
مع هذه الكلمات، أطلق إيان هالته النارية التي كانت تتصاعد بشكل مفاجئ من حوله، متخذة شكل نيران متوهجة تحيط به كعاصفة ملتهبة. كأنها كانت تجذب الهواء إليها وتخلق له درعًا ناريًا، بينما اندلعت النيران من جسده وتحولت إلى هالة حارقة تشتعل حوله بشكل متسارع.
لين، الذي كان يراقب المعركة عن كثب، شعر بالذهول لحظة ظهور هالة إيان. لم يصدق عينيه وهو يشاهد كيف أن النيران التي تحيط بجسد إيان تتصاعد وتتحول إلى هالة متوهجة من النار التي كانت قادرة على محو كل شيء في طريقها. “كيف تطور بهذه السرعة؟” همس لين لنفسه، غير قادر على إخفاء انبهاره.
“لن تنجح، إيان!” قال كايل بحزم، وهو يوجه سحر الجليد نحو إيان ليخلق جدارًا من الجليد المتناثر يحاصره. لكن السحر لم يتوقف عند هذا الحد. كايل بدأ في دمج سحر الجليد والماء معًا، محاولًا خلق هجوم مشترك بين العنصرين، طاقة هائلة تكاد تفيض منهما معًا. كانت يديه تتوهجان، بينما كان السحر يتشكل بصعوبة، محاطًا بالثلج والماء المتجمد. كانت النية واضحة: سحر جديد، قوي، ومباشر.
إيان لم يتراجع، بل استمر في التقدم، متفاديًا ضربات الجليد والماء، وكان يتجه نحو كايل.
لكن في اللحظة التي بدأ فيها كايل بترنيمته لدمج السحر، تفاجأ الجميع بحركة غير متوقعة. لين، الذي كان يراقب القتال، أدرك في اللحظة الأخيرة أنه لا يمكن السماح لكايل بإتمام ترنيمته.
في لحظة خاطفة، قذف لين سيفه بأقصى قوة، شاحنا إياه بمعظم هالته النارية. السيف اخترق الهواء بسرعة البرق، وانطلقت منه طاقة هائلة تحيط به كالنيران المشتعلة.
“إياك أن تكمل هذا السحر!” همس لين وهو يرى سيفه يندفع نحو كايل.
السيف اخترق الهجوم الهائل الذي كان كايل يحاول دمجه بين سحر الجليد والماء. وفي لحظة واحدة، انفجر سحر كايل قبل أن يكتمل، مما أدى إلى انفجار مدوي شمل المكان بأسره.
“إنفجار!” انفجر المكان بكل ما فيه، واندلعت طاقة هائلة في كل الاتجاهات، مما دفع كلاً من إيان وكايل للخروج من الساحة. الأتربة والمياه المتناثرة اجتاحت الهواء، وكان الانفجار قويًا لدرجة أن الأرض اهتزت تحت أقدام الجميع.
“تعادل!” أعلن الحكم بصوت مرتجف، بينما كان كلا المحاربين ينهضان بصعوبة، منهكين، لكن بقوة غير قابلة للكسر في عيونهم.
إيان، الذي كان يلتقط أنفاسه بصعوبة، نظر إلى كايل بجدية واحترام، وقال بصوت منخفض: “أنت خصم قوي، كايل. لم أتوقع منك هذا.”
كايل، الذي كان يعاني من التعب، رفع رأسه وقال بصوت ثابت: “من أجل أختي، سأقاتل بكل قوتي. وعليك أن تتذكر هذا جيدًا.”
علق لين حوارهما بكلمة واحدة فقط “حمقي”.
معركة لونا: ثلاثة انتصارات متتالية
دخلت لونا الحلبة بخطوات واثقة، عيناها تتقدان بحزم، وجسدها يشع بهالة ذهبية خفيفة، تنبض بالنور كما لو أنها امتداد لروحها القتالية. كان خصمها الأول ساحرًا متمرسًا، تناثر حوله ضوء أزرق خافت، يرمز إلى سحر الرياح الذي تخصص فيه. رفع يده سريعًا، ومن حوله تخلقت دوامات هوائية حادة، مستعدًا لإبقاء لونا على مسافة آمنة.
لكن لونا لم تمنحه الفرصة. أضاءت هالتها فجأة، وتحولت إلى خيوط ذهبية تتشابك مع السيف في يدها، لتمنحه توهجًا مقدسًا. اندفعت بسرعة خاطفة، شحذت هالتها في حد نصلها، وعندما هوت بسيفها، انقسمت الرياح أمامها كما لو أنها لم تكن موجودة. لم يستطع الساحر سوى رؤية وميض الضوء الذهبي قبل أن يتلقى الضربة. تحطم درعه السحري في لحظة، وسقط أرضًا بلا قدرة على الحراك.
في معركتها الثانية، واجهت مقاتلًا ضخم الجثة، تتصاعد من جسده هالة رمادية ثقيلة، تُظهر مدى صلابته الجسدية. كان يعتمد على قوة الدفاع المطلق، جسده يتحمل الضربات وكأنه جبل لا يتزحزح. ابتسم بثقة وهو يرفع قبضته العملاقة.
لكن لونا لم تكن في حاجة للقوة الغاشمة. هالتها النورانية بدأت تتكثف حول قدميها، الهالة تتشكل حسب المستخدم وتعتمد على عقلية الفارس، حيث يمكنه توجيهها بعدة أشكال. أما الساحر، فيولد بموهبة طبيعية مرتبطة بعنصر واحد فقط دون القدرة على تغييره.
.وخلال لحظة، تحولت سرعتها إلى برق خاطف. تحركت بخفة حول خصمها، وبدقة متناهية، وجهت ضربة حادة نحو مفاصل قدميه. تردد صدى الضربة في الهواء، وشعر العملاق ببرودة تسري في جسده قبل أن تنهار ركبتاه. وبينما كان يحاول استعادة توازنه، كان سيف لونا قد تألق مرة أخرى، ليطيح به خارج الحلبة بضربة أخيرة حاسمة.
أما معركتها الثالثة، فكانت أمام مقاتلة تدعى “إيرينا”، معروفة بأسلوبها الدفاعي المنيع. هالتها الزرقاء كانت أشبه بدرع مائي، تتحرك حول جسدها بانسيابية، تشكل حاجزًا ضد أي هجوم قادم. ابتسمت إيرينا بثقة، مدركة أن خصومها السابقين لم يستطيعوا اختراق دفاعها.
لكن قبل أن تتمكن حتى من تشكيل دفاعها بالكامل، كانت لونا قد اندفعت بالفعل. هذه المرة، ركزت هالتها الضوئية في حافة سيفها، وجعلتها أشبه بشعاع قاطع من الضوء. وعندما وجهت ضربتها، لم يكن هناك تصادم، بل اختراق تام! الهالة المائية تلاشت للحظة، ووجدت إيرينا نفسها تُطاح خارج الحلبة دون أن تدرك حتى كيف حدث ذلك.
ثلاثة انتصارات متتالية!
تعالت الهتافات، لكن لونا لم تهتم. عيناها كانتا مثبتتين على شخص واحد فقط… فروسيتا.
قبل النهائي بلحظات…
في أعلى المنصة، جلست البطريكة، تنظر إلى الحلبة بعينين هادئتين لكن حادتين. الجميع كان ينتظر الإعلان عن المقاتل التالي، حتى تقدمت فروسيتا بخطوات ثابتة نحو والدتها.
“أريد القتال في النهائي.”
لم يكن طلبًا، بل كان تصريحًا. صوتها لم يحمل أي تردد، والهالة الباردة التي أحاطت بها جعلت بعض الموجودين يرتجفون. كان الجليد ينساب حولها كأنفاس شتاء قارس، يملأ الهواء بقطرات متجمدة.
البطريكة لم تتحرك، لكن نظراتها فحصت ابنتها بدقة.
“المقاتل قد تم اختياره بالفعل.”
“وهذا لا يهم.” رفعت فروسيتا رأسها قليلًا، وكأنها تتحدى حتى فكرة أن يتم رفضها. “إن كانت هذه الجولة النهائية، فيجب أن أكون فيها. أي شخص آخر لن يكون جديرًا بذلك.”
ثم أضافت بصوت حاد، وكأنها تقرر مصير الجميع:
“يجب أن أظهر للخونة بأن لا يلمسوا ممتلكات فروست.”
شعر لين بالقشعريرة.
عيناها كانتا متوهجتين بجليد قاتل، لكن النار الحقيقية كانت في قلبها. لم تكن هذه مجرد معركة، بل كانت تصفية حساب.
“فروسيتا! فروسيتا!”
الهتافات تصاعدت، وكأن الحضور بأكمله كان ينتظر هذه اللحظة. كان اسمها يملأ المكان، ومع كل هتاف، كانت الهالة الجليدية من حولها تزداد برودة.
البطريكة نظرت إليها طويلًا بابتسامة خافتة و هي تهز رأسها و سألتها :
“هل هذا حب امتلاك؟”
لكن فروسيتا لم تجب. لم تكن بحاجة إلى ذلك.
البطريكة أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتها وأعلنت بصوت هادئ لكنه مسموع بوضوح:
“حسنًا، فروسيتا. النهائي لك.”
تعالت الأصوات أكثر، وتردد اسمها كأنه عاصفة تجتاح المكان.
استدارت فروسيتا ببطء، والتقت عيناها بعيني لونا. لم تكن تلك النظرة مجرد تحدٍّ… كانت تحذيرًا.
“يبدو أن الخيانة موهبة في عائلتكم، أليس كذلك؟ تُرى هل ورثتِيها من والدك أم أنكِ تعملين على تحسينها بطريقتك الخاصة؟”
لم تتأخر لونا في الرد، أضاءت عيناها واشتعلت هالتها بالنور كما لو أنها شمس ترفض أن تنطفئ أمام برد الجليد.
“لننهي هذا، أيتها الوغدة.”
MANGA DISCUSSION